اختلفت مواقف الخبراء الاقتصاديين والسياسيين في تونس وتقديراتهم تجاه تخفيض وكالة الترقيم الاميركية “ستاندار أند بورس” لتصنيف تونس الائتماني طويل الأجل والذي تم تخفيضه الى المرحلة (ب ب).
وتواصل الجدل بعد أن أعلنت وكالة الترقيم العالمية “ستاندار أند بورس” عن تخفيض الترقيم السيادي لتونس وتصنيفها ضمن الدول ذات الاقتراض القابل للمضاربات.
وفي الوقت الذي اعتبر محللون ومعارضون التصنيف الجديد ناقوس خطر ودليلا على تعثر الحكومة الحالية في الشأن الإقتصادي، سارعت السلطات إلى التقليل من خطورة التصنيف، إذ أكد رضا السعيدي، الوزير المكلف بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية، في تصريحات صحافية أن التصنيف الجديد لن يكون له تأثير كبير لأن معاملات تونس مع السوق المالية لا تتجاوز 20 بالمائة.
وتحصّل ‘المشهد التونسي’ على معلومات من مصادر مطلعة تفيد بأن وكالة “ستاندار أند بورس” كانت قد راسلت البنك المركزي منذ شهر نوفمبر الماضي للمطالبة بإيضاحات حول الوضع التونسي إلا أنه قد تم تجاهلها.
الخبير الاقتصادي ورئيس جمعية "راد أتاك" فتحي الشامخي
وحمّل الشامخي في إفادته لـ ‘المشهد التونسي” المسؤولية بدرجة أولى لمحافظ البنك المركزي، مصطفى كمال النابلي، وقال: “المسؤول الأساسي هو محافظ البنك المركزي، الذي لا يشكك أحد في خبرته .. لكنه للأسف وظف خبرته ضد مصالح الثورة والشعب، ولعب دور المخرّب للمجهودات”.
الحكومة التونسية تتحمل جزءً من المسؤولية بحسب الشامخي الذي اعتبر أن هذا التخفيض في الترقيم السيادي الذي أعلنت عنه الوكالة الأمريكية جاء نتيجة “خيارات خاطئة” اتبعتها الحكومة الحالية والحكومات السابقة التي حكمت تونس بعد سقوط نظام بن علي.
واستنادا الى الشامخي، تسعى السياسات الاقتصادية، المتبعة سابقا تحت حكم نظام بن علي والتي تواصلت بعد هروبه في 14 جانفي 2011 ، إلى الحفاظ على ثقة الدوائر المالية العالمية والحفاظ على الترقيم السيادّي دون تغيير بهدف التسريع في تعافي الاقتصاد .
وأضاف : “لقد تواصلت سياسة نزع سلاح الحكومة والدولة وذلك بحرمان الدولة من مواردها الماليّة في حين أن الظرف الحالي يقتضي تعبئة كل الموارد للدولة لفائدة الاقتصاد الوطني دون اعتبار مسائل الترقيم”.
ويفسّر رئيس جمعية ‘راد أتاك’، التي تطالب بتجميد تسديد الديون التونسية، لـ ‘المشهد التونسي’ قائلا : “الحكومة الحالية ليس لها الموارد الكافية لتعافي الوضع الاقتصاد بينما تم تخصيص ربع موارد الدولة لتسديد خدمة الدين … كان بالامكان اتباع طرق وتجارب أخرى على غرار تجارب الأرجنتين والاكوادور وإيزلندا”
وشدّد الشامخي على أن “الوعود غير قادرة على إصلاح الأوضاع”، محذرا من تواصل ذات السياسات الاقتصادية المعتمدة على التصدير، إذ سجّل هذا القطاع تراجعا حسب المعطيات التي وفّرها البنك المركزي.
عزّام محجوب أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والخبير الدولي في قضايا التنمية لدى عديد المنظمات الإقليمية والعالمية
وشدّد محجوب في تصريحه لـ ‘المشهد التونسي’ على ضرورة التعامل مع المعطيات التي تقدمها وكالات الترقيم العالمية بـ”تحفظ كبير” وذلك لأسباب عديدة أهمها أن هذه الوكالات تحتكر السوق العالمية (إذ يوجد ثلاث وكالات عالمية كبرى وهي “فيتش” و “مودز” و “ستاندار أند بورس”) كما أنها ممولة من طرف مؤسسات مالية كبرى، إلى جانب أن هذه الوكالات تعمل تحت الطلب سواء من قبل مؤسسات خاصة أو من طرف بلدان وذلك مقابل مبالغ طائلة مما يطرح تساؤلات حول مدى تضارب المصالح.
ويتفق سهيل بالتائب، رئيس الجمعية الدولية للخبراء الماليين والبنكيين التونسيين، مع عزّام محجوب في كون”مصداقية وكالات الترقيم موضوع مطروح للنقاش منذ مدّة”. وواصل بالتائب : “الأزمة المالية أكدت فشل هذه الوكالات التي رغم التشريعات الجديدة لتقنين عملها حافظت على دورها الجوهري في القطاع المالي ومازال الجميع يتخذ قراراته وفق الترقيم الذي تمنحه هذه الوكالات”.
واعتبر بالتائب، في تصريح لـ ‘المشهد التونسي’ أن “الترقيم السيادي الجديد متوقع ولعدة اسباب اهمها أولا حمّى التخفيض التي تملّكت وكالات الترقيم وهذا راجع بالأساس إلى أنها تعلمت من الأزمة المالية الاخيرة وهي تراجع ما كانت تمارسه من ترفيع مبالغ فيه وفي بعض الاحيان ترقيم المحاباة”.
ويرى عزّام محجوب أن التقييم الذي أصدرته وكالة “ستاندار أند بورس” له “تأثير من الناحية النفسية فقط” إذ أعلنت في المقابل الولايات المتحدة الأمريكية عن ضمانها لاصدار تونس لقرض رقاعي بالسوق المالية العالمية قيمته نصف مليار دولار.
ودعا محجوب إلى الحذر والاحتياط رغم أن المؤشرات الاقتصادية الحالية لا تدلّ على بلوغ مرحلة الخطر.
وفي تقييمه للوضع الاقتصادي العام، حذّر الخبير الاقتصادي من تجاوز نسبة عجز الميزانية سقف الـ 6 بالمائة.
واعتبر أن نسبة التضخم المالي التي ارتفعت من 3 إلى أكثر من 5 بالمائة “مقلقة”. وطالب بضرورة الضغط على الأسعار محذّرا من تداعيات هذا التضخم وانعكاساته السلبية على قيمة الدينار التونسي.
كما أشار إلى العجز في ميزان الدفوعات الخارجية الذي يعطي إشارة سلبية للدول التي تقدم قروضا إلى تونس على حدّ قوله. إلا أنه يرى بالمقابل، أن نسبة المديونية الحالية والتي لا تتجاوز 45 بالمائة لا يمكن اعتبارها “نسبة كارثية باعتبار المقاييس الدولية”
سهيل التائب رئيس الجمعية الدولية للخبراء الماليين والبنكيين التونسيين
وعن الحلول التي قد تمكّن الاقتصاد التونسي من التعافي، طالب سهيل بالتائب بالإسراع في اعتماد عملية هيكلة جوهرية لمختلف القطاعات و استعادة الاموال المنهوبة إذ “لا يعقل ان تتداين من دول تأوي من نهب أموال الشعب” على حد قوله. كما دعا بالتائب إلى تنويع مصادر التمويل كالصكوك الاسلامية في بورصة ماليزيا أو البحرين وتنشيط الادخار الداخلي إلى جانب ادخار التونسيين بالخارج. ويرى رئيس الجمعية الدولية للخبراء الماليين والبنكيين التونسيين أن دعم الشركات الكبرى العمومية والخاصة لتكون شركات عملاقة قادرة على دعم الاقتصاد والحد من البطالة والاهتمام بالموارد الأولية من فسفاط ونفط وغاز ودعم الاستثمار فيها ووضع قواعد للحوكمة الرشيدة على كل المستويات سيكون له أثر إيجابي على الاقتصاد التونسي.
وختم بالتائب حديثه بالتساؤل : “ماذا تنتظر الحكومة للقيام بإصلاحات عميقة للقطاعين البنكي والمالي بالاستعانة بالخبرات التونسية في الداخل والخارج؟”
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire