8/19/2012

رأي | من أحضان “مَاكْ كايْنْ” الى أحضان “مَاكْ دُونالدْزْ” : ياقلبي لا تحزنْ

رأي | من أحضان “مَاكْ كايْنْ” الى أحضان “مَاكْ دُونالدْزْ” : ياقلبي لا تحزنْ:
المشهد التونسي – رأي- كريم السمعلي
هل ينبغي أن ترضى أمريكا على كل حاكم في الوطن العربي لتصبح له شرعية داخلية قبل أن تكون دولية؟ “أمريكا هي الطاعون ..و الطاعون أمريكا” كما يقول شاعر قرننا محمود درويش. فهل يجب دوما الانحناء واعطاء شارات الولاء .. حتى للطاعون؟

أريد أن أوضّح في البدء الى رمـزية عنوان هذا المقال فان كانت أحضان “ماكْ كاينْ” تشير الى واقعة ماديـّـة معروفة الحيثيات فان الأحضان المفتوحة لاستقبال ماكدونالدز هي مجازٌ عمّا يحدث اليوم ممّا يبدو في ظاهره مشاريع تنمية لكنه باطنه مشاريع تخريبية. فمنذ سـافـر السيد حمادي الجبالي الى واشنطن لطمأنة نظامها -عُـرّاب الأنظمة المنهارة- واستقباله للسيناتور ماك كاين أكبر الداعمين للصهيونية  بالأحضان هناك شيىء ما تكسّر في تمثال حلمنا الثوري: حلم التحرّر والعدالة والاستقلال الثاني ومعانقة القيم الأصيلة التي أفسدتها الدكتاتورية بمنظوماتها اللاأخلاقية.  كان ممكنا لتلك الزلـّة أن تمرّ مع موجة تبريرات كتائب التبريـر .. المُـفسـرين أبدا للفعل و نقيضه بنفس الوجاهة السفسطائية. لكن أن تـفتح تونس أحضانها في حكم النهضة لأكبر شركة عابرة للحدود كماكْ دونالزْ فذلك أمر له دلالات كارثية على أكثر من صعيد. وكاتب هذا المقال يعارض بشدة هذا المشروع. وهي ليست معارضة لأيّ استثمار لأنه أمريكي. فلو كانت شـركات كبرى من “سيليكون فالي” قرّرت الانتصاب في تونس لصفـقـنا لها بأيدينا وأقدامنا ان لزم الأمر . أمّا أن يكون أوّل استثمار أمريكي ضخم من نوع التجارة الاستهلاكية عديمة القيمة المضافة  والمتسببة في مشاكل صحيّة بالحجة والبرهان فذلك لا يمكن الاّ أن يدفعنا للامتعاض والتقزّز.

وسوف نتعرض في مقالنا الى مختلف دوافع معارضتنا لهذا القرار وهذا المشروع:

الدوافع الصحية

الأكلة الخفيفة التونسية حرفة مزدهرة منذ القدم أما الأكلة السريعة الأمريكية فهي صناعة ثـقيلة. وكذلك ثقيلة هي تبعاتها على الصحة الآدميّة فما تحمله من دهون ومواد اصطناعية غير مُعلنة هي سمّ بطيئ للصحّة العمومية. اسألوا بيل كلينتون عن عمليات جراحة قلبه المتعددة وما سببها فقد اعترف أنه بالغ في استهلاك الأكلات السريعة وهو نادم على صنيعة بعد فوات الأوان. انظروا كيف أصبحت السمنة في الولايات المتحدة وباءا مُكـلـفا للدولة كما للأفراد وستدركون أن الأكلة السريعة وراءها. ولقد ثبت أن ماكدونالز يُضيف عقاقير ضد القيىء في شرائح الهمبورغر كما ثبت أنه يضيف عقاقير تسبب الادمان في أكلاته – نفس الممارسات التي أدين بها لوبي صنع السجائـر في الولايات المتحدة ذاتها-

” 100 بالمائة لحم بقر” هذا هو الشعار التسويقي للحوم ماكدونالدز، لكن تحليلا مخبريا لنوعية الأنسجة المكوّنة لتلك الشرائح اثبت أن نصيب اللحم (الهبرة) فيها 20 بالمائة فقط أما الباقي فمن الزوائد…زوائد البقر طبعا وبذلك تكون مقولة 100 بالمائة لحم بقر غير خاطئة جنائيا لكنها كاذبة حيثيا. زد على ذلك أن شركة ماك دونالدز بمقايـيسها الصّارمة والدقيقة في مصادر تموينها تستورد كلّ موادها الأولية وتستعمل، دون أي ضوابط من البلد المضيف، ماشاءت من المكونات المعدّلة جينيّا وهو ما دفع بالمناضل جوزي بوفي الى قيادة حركة ضد ماكدونالدز بالذات وأبدع مفهموما جديدا في القاموس العالمي لفن الأكل: الأكلة السيئة (La malbouffe)

الدوافع الاقتصادية

ليس لمشروع انتصاب ماكدونالز ايّة قيمة مضافة اقتصاديا. فجُلّ المكوّنات الخاضعة لمعايير جودة الشركة تُستقدم مثـلجة عبر الاستيراد وكلّ أرباحها ستعود لها بالعملة الصعبة من جيوب مواطنينا ودولتنا. يبقى التشغيل وهو تشغيل لا يتطلب يدا عاملة ماهرة  فهو بالتالي تشغيل يعتمد على الأجور المتدنــّـية (cheap labor) و لا يستعمل يدا عاملة مكثفة اذ أن عمليات اعداد الأكلات وبيعها شبه آلية. فاذا استطلعنا كل المساوىء على الاقتصاد المحلي ستصبح مزيّـة التشغيل هذه منعدمة. فلا غرو أن يَـحْصُل لحرفيّي الأكلة الخفيفة التونسية  ما صار للتجار الصغار مثلا في الضواحي الشمالية لتونس بعد فتح محل “كارفور” في ظل المافيا السابقة. فقوة ماكدونالدز ليست في قيمة اكلتها الغذائية – ماعدى ضمان ارتفاع نسبة الكوليستيرول في الدم – او في مذاقها والاّ لما التجأت لآضافة مضادات القيىء(anti-vomissement).
قوّتها في الاشهار والتسويق الذي تدفع له ميزانيات خيالية يجعل من بضاعتها تبدو عن طريق تـأثـير الصورة كأنها مفتـّحات لدخول جنة الحلم الأمريكي… حلم ليس بمقاس تونس بعد الثورة وهي تكتشف أن من شعبها من يبات في الخلاء و يأكل من الزبالة.

الدوافع الرمـزية

“كوكاكولا تفوّق وتروّق ضد الأفكار الهدّامة” .. هكذا غنى شيخنا الضرير متهكـّما على احدى الماركات العالمية التي تحمل معها نمط عيشها وايديولوجية موطنها الأصلي. قس على ذلك ماكدونالدز المتعاقدة معها تجاريا. فـأن تغـرس شركة، هي رمز الامبريالية العالمية، ساقا لها في تونس فلذك دلالات رمزية عـدّة وليست دلالات هيّنة التداعيات اذ ان الغلبة في الصراع الرمزي (صراع الصورة والحلم ) هي فاتحة الغلبة في بقية المجالات. لقد قامت الثورة لأن حيفا كبيرا تسلــّـط على الفئات الاجتماعية الفقيرة والمحرومة والمهمّشة…تلك الفئات التي ترى اشهار الياغرت والجبن ومواد الاستهلاك في التلفزة دون أن تجد لها سبيلا في واقعها. تلك الفئات التي لا ترى في شاشات تلفزات وطنها الا “القافزين” الذين تتوفر لهم السيارات الفارهة والشقق المفروشة بذوق وهم في حداثة العمر دون عمل و شقاء لكن فقط بفضل “Papa”… هؤولاء صناع الثورة الذين لم ينالوا شيئا من الثروة التي تعود لهم استحقاقا لا مزيّة سيواجهون مدّا جديدا من صور المجتمع الاستهلاكي الجديد الذي لن يكون لهم منه سوى نصيب الحرمان.

الدوافع الاجتماعية

صُورٌ جديدة اذن ستأثث المشهد الاعلاني عن طبقة جديد متأمـركة ترتاد الماكدونالدز – و لحمه ليس حلال على فكرة في انتظار أن تطلع علينا فتوى تحلله – وتعيش شذرات من الحلم الأمـريكي داخل وطنها تونس “وطن العروبة والاسلام” الذي بدأ تفتــّحه على القـُـطر الأمـريكي الشقيق من باب “الهَمْهَامَا” لا من باب العلم والتكنولوجيا. صُورٌ ستعمّـق الفجوة الاجتماعية أكثر فأكثر وتـُـفاقم الاستقطاب بين شباب البانيني “Pannini” والهمبرغر  وشباب “الكفتاجي” و”اللبلابي”. وكأنّ صاحب القرار (1) لم يفهم أن الثورة في بعدها الاجتماعي هي رفض للتمايز المشط بين الطبقات في مجتمع كان دوما مثالا لتقارب طبقاته الاجتماعية ان لم يكن اقتصاديا فـثـقافيا – كسكسي بالقديد و ملوخية في راس العام وعصيدة زقزقو في المولد-.  (2) أنـّه لم يفهم أن حُـمّى الاستهلاك والتــّـداين من أجله و أجل المظاهر هي من صلب احساس الحرمان و الغـربة في الوطن التي أدّت الى صرخة الحريّة والكرامة التي قلبت الطاولة على نظام حاول تدجين مجتمع كامل من خلال التلاعب بالصورة ورمزيّتها والتزوير الآلي لكل الحقائق.
في انتظار “جوزي بوفي” تونسي

لقد كان عملا بطوليا ذلك الذي قام به جوزي بوفي “José Bové”   حين مرّ من موقف المعارضة لانتصاب محل ماك دونالدز الى فعل تفكيك أحد محلاته لما انتصب في مقاطعته الفلاحية بميلو “Millau”  احتجاجا على السياسات التجارية الأمريكية خصوصا فيما يخص حرية التبادل التجاري و تشجيع انتاج وتسويق المواد الفلاحية المعدّلة جينيا ونال على ذلك سنتي سجنا لم تزده الا صلابة و اقتناعا… فهل لنا بمثيله في تونس؟؟؟ أم على أفهام أقفالها ؟؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire