3/25/2012

رأي | مستقبل البورقيبية وراءها…

رأي | مستقبل البورقيبية وراءها…:
المشهد التونسي – رأي – د. محمد ضيف الله
منظمو التظاهرة التي انعقدت عشية السبت بالقاعة المغطاة بالمنستير تحت عنوان “نداء الوطن”، إنما جاؤوا ليستظلوا ببورقيبة، هدفهم أن يعيدوا إلى البورقيبية بريقها الذي خبا منذ ربع قرن، وفي البال إيديولوجيات أخرى تنسب إلى زعماء كبار مثل الكمالية في تركيا، وهم يرون في بورقيبة منقذهم من الضلال النوفمبري، بعد أن استظلوا طويلا بـ”العهد الجديد”.
إلا أنهم من خلال هذه التظاهرة نالوا من بورقيبة نفسه ومن أنفسهم أيضا، وبينوا أنهم على قدر عال من سوء الفهم وسوء التقدير كذلك. حيث تبين أنهم لم يسمعوا أو لم يفهموا بعد أن أحد أهم مطالب الثورة التونسية هو الديمقراطية، وبورقيبة في هذا الإطار لا مكان له ولا مكانة في تونس الجديدة إذ أنه عنوان الاستبداد والدكتاتورية والقهر والظلم. ولسنا بحاجة هنا إلى التذكير بالمحاكمات السياسية ولا تزييف الانتخابات ولا استبعاد المشاركة الشعبية، ولا تحقير الرأي الآخر، ولا تحقير الشعب نفسه الذي اعتبره بورقيبة “غبارا من أفراد”…
وهم باختيارهم المنستير لانعقاد تظاهرتهم، نزلوا ببورقيبة من المستوى الوطني إلى المستوى المحلي، في حين أن الثورة جاءت كرد فعل ضد الجهوية التي عانت منها تونس طويلا سواء في العهد النوفمبري أو قبل ذلك في العهد البورقيبي. ومن هذه الزاوية فهم لم يفهموا الثورة وأهدافها العميقة في الاندماج الوطني والتوازن الجهوي.
وإذ تناسوا فلن ننسى أنهم لم يفعلوا شيئا لبورقيبة عندما كان معتقلا في المنستير ذاتها ثلاثة عشر عاما كاملة، بل كانوا يرددون خلالها أن بن علي أنقذ بورقيبة من بورقيبة ! وبالتالي فهذا الاحتفاء به اليوم يكشف عن هدفهم الحقيقي في التطهر من أدران “التغيير المبارك” الذي طالما تغنوا به، والتباعد عن “صانع التحول” الذي رفعوه فوق الهامات، وتحدوهم اليوم رغبة جامحة في تنظيم فلولهم والعودة إلى الساحة بعناوين براقة وأساطير ورايات زاهية.
إلا أن ما يحول دون ذلك هو الجرائم التي ارتكبت في حق الوطن، شعبا وأرضا وتاريخا. وما انكشف حول العهد النوفمبري من قمع واستبداد وفساد وخيانة، ليس إلا استمرارا لما حدث في العهد البورقيبي الذي يمجدونه اليوم. الذاكرات تسكنها الصور المرعبة والقصص الفظيعة عن صباط الظلام، ولجان الرعاية، وعيون لا تنام، وميليشيا الصياح، ومحكمة أمن الدولة، وحبس برج الرومي… كما تسكنها كل الأحداث الدامية التي جرت في جانفي 56 و61 و63 و69 و78 و80 و84.
الذين يلبسون اليوم جبة بورقيبة يرفعون عاليا شعار المصالحة. وهذا اعتراف ضمني بأنهم شاركوا في تلك الجرائم، باليد واللسان والقلب معا أو بأحدها على الأقل. ولكنهم إلى حد الآن لم يعترفوا بأي مستوى من تلك المستويات، سواء لما يهم العهد البورقيبي أو ما يهم العهد النوفمبري، وقد خدموهما معا بكل إخلاص وتفان. وهم لا يبدون إلى يوم الناس هذا أي مؤشر على أنهم مستعدون للاعتراف بما ارتكبوه، وإرجاع ما نهبوه إلى خزينة الدولة، والاعتذار من ضحاياهم، وفي غياب ذلك فالمصالحة ليست غفرانا مجانيا. وبورقيبة لن يساعدهم في كل الأحوال على استعادة الصولجان القديم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire